-A +A
أنمار مطاوع
باريس.. مدينة الأنوار الفكرية.. تلمع كقطعة ألماس على صدر الكرة الأرضية.. تلمع بكل فلاسفتها ورواد فكرها وإعلامها.. تلمع بأهلها وأخلاقها وثقافتها الاجتماعية.. تلمع بقوانينها وأنظمتها وعدالتها..

باريس.. رسمت للعالم الحديث -منذ عصر النهضة وعصر التنوير- توجهات جديدة رفعت من مستوى الوعي الإنساني.. ونقلته من البربرية التي وصل إليها في عصور الظلام إلى مستوى المدنية الحديثة..


باريس.. على مدار تاريخها الحديث، أنصفت المظلومين بأفكارها التقدمية.. ورعت الحرية الفردية على أصول ثابتة لا تقبل التعدي على الآخرين.. ولا تقبل تجاوز الحدود.. ولا ترضى بالتطاول..

باريس.. وضعت أسس البروتوكول الأنيق في المأكل والمشرب والملبس.. ضج عالمها بالمسرحيات الأدبية والموسيقى السمفونية.. والأوبرا الرومنسية.. تجسيداً لمهرجانات السعادة..

باريس تعيش التنوع الثقافي بكامل طاقمه.. وتدعو للتسامح العرقي والثقافي وحقوق الإنسان.. صنعت؛ على مدار تاريخها، تركيبة اجتماعية مذهلة تجمع كل الألوان والأفكار والأعراق.. وتتبنى العلمانية بشكلها الإنساني اللامع.

كيف انقلبت المفاهيم وانطفأ نور قيم الحداثة؟ ما الذي حدث يا باريس؟ كيف غاصت حضارتك الإنسانية العريقة الأصيلة المتجذرة في عمق المدنية.. فجأة.. بدون مقدمات إنشائية سخيفة.. غاصت كل تلك القيم التي تنادين بها في سمع الأرض وبصرها.

تقول زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» الفرنسي: (.. الكثير من الفرنسيين يأكلون منتجات حلال من دون معرفتهم بذلك.!!).. إلى هذه الأطراف وصل الاستخفاف بالاختلاف الثقافي!!

إلى أي حد يمكن أن يقذفك الآخر بالوحل.. ويطلب منك أن تلتزم الأدب.. إلى أي حد يمكن لأي إنسان أن يتحمل الجرأة على تعاليمه وقناعاته الثابتة؟.

ليت باريس تغسل وجهها من الأفكار الموحلة التي صنعتها الراديكالية المتأخرة.. قبل أن تغسل الإنسانية يدها من مدينة الأنوار.. فالعهد الذي أخذه أجدادها ليس بعيدا.. والوعد لا يزال عند مفترق الطرق.

إن لم تكن باريس هي من يتبنى موقفا قانونيا لمنع الإساءة للأديان ورموزها.. ومنع التطاول على ثقافات الآخرين.. ومنع المساس بحقوق حرية الدين والمعتقد.. فمن يكون؟

باريس هي مصدر الإبداع الإنساني.. وهي من يجب أن يحافظ على مشاعر الإنسانية ويمنع التطاول عليها.

كاتب سعودي

anmar20@yahoo.com